التسويف المزمن – لم قد نعتبره مشكلا كبيرا؟


“التسويف هو القبر الذي تدفن فيه الفرص”. مجهول

 

من منا لم يؤجل فعل شيء ما لم يود القيام به؟ ثم مازح قائلا، “إنها مجرد مماطلة”.

مع ذلك فالتسويف المزمن يذهب أعمق من مجرد يوم كسل. التأجيل يصبح حالة سلوكية تؤثر على كل جوانب الحياة.

لا تقتصر مشلكة المسوفين على التأخر في شراء الهدايا حتى عشية عيد الميلاد، بل إنهم يدمرون تصنيفهم الائتماني بسبب المدفوعات المتأخرة، يبحثون بجنون عن تذاكر العرض  المحجوز بالكامل الذي وعدوا به ابنهم المراهق، يصلون متأخرين إلى مقابلة وظيفتهم التي يحلمون بها … توضحت لك الصورة.

التسويف المزمن قد يصبح خطيرا بما يكفي ليكون اضطرابا موهنا ويكون في الغالب مرتبطا بمشكل صحي دفين مثل  اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط لدى الكبار أو الاكتئاب. وقد يقود إلى سلوكات إدمانية مثل القمار، إدمان الانترنت، أو التعاطي للكحول.

 

هل أنت مسوف بشكل مزمن؟

 

إليك أربع علامات قد تدل على أنك تعاني من التسويف المزمن.

 

يصبح التسويف عادة. التسويف مرات معدودة في الشهر ليس شيئا يدعو للقلق، وقد يكون نتيجة الحاجة إلى وقت مستقطع أو المرور بمزاج سيء. المسوفون المزمنون، من الجهة الأخرى، يؤجلون أشياء مهمة عدة مرات في الأسبوع إن لم يكن الأمر يوميا.

 

منعك من الاشتغال بشكل طبيعي. التسويف قد يسبب مشاكل صحية مرتبطة بالقلق كمشاكل النوم، تاركا إياك تعاني للحفاظ على الأمور في نصابها. عدم القدرة على القيام بالأشياء قد يضيع أي فرصة لحياة اجتماعية طبيعية، مع توتر دائم يجعل من صداقة أو علاقة عاطفية مهمة إضافية. أو ربما شعور العار من الفشل الذي يسببه التسويف يجعلك غير مرتاح مع أناس ناجحين، لذا تفضل الاختباء وحيدا.

 

يرتبط التسويف بالاكتئاب/نقص الانتباه وفرط النشاط. هناك فكرة على أن المسوفين يتوقفون عن العمل ويستمتعون أكثر عوض القيام بما يتوجب القيام به. لكن الحقيقة أن أكثر المسوفين بشكل مزمن يشعرون بالتعاسة والتشتت، ويعانون أيضا من نقص الانتباه وفرط النشاط لدى الكبار و/أو الاكتئاب. فهم يقضون وقتهم مع عادات مدمرة لتخدير ضعف تقديرهم الذاتي، مثل الإفراط في الأكل، النميمة، وتصفح الانترنت.

 

تكون مشغولا طوال الوقت. المسوفون بشكل مزمن نادرا ما يكونون كسلاء كما يعتقد. المسوف الجيد يكون غالبا مشغولا بأشياء حيث لا يكون لديهم وقت مستقطع. ينشرون الغسيل، يرتبون علب رسائلهم الالكترونية، يقومون بأبحاث عن تلك المكنسة الكهربائية التي يريدون شراءها … في حين أن موضوعهم للكتابة يزال غير ملموس. ثم يعانون من التعب والقلق لأنهم غير قادرين على الاسترخاء حقيقة.

 

لم يعتبر التسويف المزمن مشكلة كبيرة؟

 

قد يكون لديه عواقب عملية. قد يعني أن الشخص المعني يجد صعوبة في الاحتفاظ بوظيفة، مما قد ينتج عنه أن يعيش الشخص دوما في الفقر. أحيانا تصبح العادات التي يستعملها المسوف بشكل مزمن لتأجيل عمله عادات مدمرة أكثر فأكثر، مثل القمار وأنواع أخرى من الإدمان. وكما ذكر سابقا، فهذا يؤثر على علاقاته بالاخرين.

 

عاطفيا، التسويف المزمن غالبا ما يجلب مشاعر الذنب، الفشل والخزي. هذا قد يقود للاكتئاب. الاكتئاب قد يكون موجودا قبل مشكل التسويف – إن كنا نشعر بإحباط عميق سيكون من الصعب الحصول على الطاقة لبدء العمل. إذا طابقك هذا الوصف، يمكن البحث عن مساعدة مختص لأن التعامل مع الاكتئاب قد يخفف من تسويفك.

 

التسويف قد يسبب ضررا جسديا. القلق الذي يسببه التسويف يؤدي لاضطراب في النوم، والذي قد يسبب ضعفا في جهاز المناعة.  والمسوفون قد يعيشون حياتهم باستمرار على حافة الهاوية، مما قد يؤدي لأشياء مثل ارتفاع ضغط الدم وحالات أخرى مرتبطة بالتوتر، أو الإدمان كتعاطي المخدرات أو الإفراط في الأكل.

 

لماذا نسوف، على أية حال؟ 

 

إذن إن كان التسويف يؤدي بنا إلى شعور سيء، لم لا نتوقف ببساطة؟

لأنه ببساطة ليس من السهل تجاوز التسويف. فكحالة سلوكية، التسويف المزمن مرتبط بأنماط عاطفية ومعرفية معقدة والتي قد تتطلب وقتا لفكها أو إعادة برمجتها. 

وهذه بعض أهم الأسباب التي قد تجعلك تسوف:

 

تعاني من ضعف القيمة الذاتية. قد ينتج عن هذا كثرة إعطاء الوعود لإثبات نفسك، ما يعني أنك ستهلع بعدها وتؤجل لأنك لا تظن أنك جيد بما يكفي للقيام بالعمل على أحسن وجه.

 

لديك حلقة تفكير سلبية نشطة. القناعة الأساسية هي قناعة قوية، عادة ما يتم تطويرها في مرحلة الطفولة، متجذرة عميقا في لاوعيك. تعمل كنوع من “البرمجة” والتي تؤثر على كل القرارات التي تتخذها في حياتك. إذا كانت إحدى قناعاتك الأساسية سلبية، مثلا “لا شيء ينجح لي”، أو “لست جيدا في إتمام أي شيء”، إذن ستسوف لتثبت أن حلقة التفكير السلبية تلك صحيحة. 

 

لا يمكنك التعامل مع القلق. إذا كان العمل الذي تحتاج أن تتمه يشعرك بالقلق، قد تجد الإحساس البدني بالقلق (معدة متوترة، عنق ملتهب) لا يحتمل وتؤجل القيام بالعمل. طبعا عدم القيام بالعمل عادة ما يخلق المزيد من القلق.

 

تعاني من المثالية. إذا كنت تحلم بأن تكون الأفضل ولا شيء أقل من ذلك، فلا عجب أنه لا يمكنك رؤية المغزى وراء القيام بشيء فقط من أجل إتمامه.

 

 

تخاف من فقدان التحكم. إذا كان لديك حاجة عميقة للتحكم، والمشروع أو القرار الذي تواجه القيام به أكبر من أن يتم التحكم به (بناء منزل، إرسال أحد الوالدين لدور العجزة)، سوف ترفض.

 

دماغك لا يرتب الأولويات بطريقة تلقائية. ليس الكل لديه المنطق الذاتي ليفهم تلقائيا ما هي الأشياء المهمة مقارنة بالأشياء التي يمكنها الانتظار. ظروف الطفولة المبكرة قد تجعلنا غير قادرين على التفريق. على سبيل المثال، إذا كنا مدللين كأطفال، قد نصبح مدمنين على المتعة ولا نفهم أنه علينا القيام بالعمل لننجو كراشدين. 

 

ذكاؤك العالي جعلك عاشقا للأدرينالين. إذا كنا أذكياء ونعلم ذلك، يمكننا تأجيل الأمور وننجو بذلك. قد يصبح الأمر نوعا من اللعب يعطينا اندفاعا مسببا للإدمان. قد يصبح اندفاعا نبدأ معه بالقيام بأفضل ما لدينا فقط تحت الضغط. 

 

علم وسيكولوجيا التسويف

 

يعتبر التسويف في جله مهارة مكتسبة — أكثر تعزيزا لما هو طبيعي. 

إذا درسنا في مدرسة قوانينها غير صارمة اتجاه المنهج الدراسي والآجال، أو تربينا من قبل والدين يدللاننا، لا يشجعوننا على العمل للحصول على الأشياء، من المرجح أن نكبر مع عادات مُضَيِعة للوقت. 

التسويف قد ينتج أيضا عن تنشئة معاكسة تماما للتنشئة المتهاونة. إذا كان الأبوان متحكمين كثيرا  وسلطويين، لن يتعلم الطفل الضبط الذاتي حيث يتلقى دوما ما عليه القيام به.

يرتبط التسويف أيضا بالمحيط الذي تربينا فيه، تلقينا للتشوهات الإدراكية قد يؤثر على الدماغ على المدى الطويل. القشرة أمام جبهية (prefrontal cortex)، المنطقة الدماغية المسؤولة عن أشياء كالتخطيط، التحكم في الغرائز، والانتباه، قد تنتهي بتفعيل ضعيف إذا لم يتم تعليمك احترام الآجال والنظر للجوائز على أنها أشياء عليك العمل للحصول عليها. التفعيل الضعيف يصبح إذا عجزا عن تصفية المثيرات المشتتة للانتباه، قائدا بذلك للتسويف المزمن.

 

كيف تتعامل مع التسويف

 

هناك الكثير من النصائح من هنا وهناك والتي قد تجعل المسوفين يشعرون بشعور أسوأ. “فقط أكمل العمل! حدد لائحة وضع علامة على المهام.” تذكر أن التسويف المزمن هو نمط تفكير متأصل بعمق، غالبا ما يكون مدعوما بصعوبات في التقدير الذاتي والقناعات السلبية، ليس من العجب أن نصائح مثل هذه لا تعمل. لتجاوز التسويف المزمن أنت تحتاج تقنيات تقوم بالفعل بإعادة برمجة دماغك وتعطيك نظرة جديدة عن نفسك. سيتطلب الأمر بعض المحاولة والخطأ والجهد المستمر. جرب هذه الأدوات أسفله وانظر إن كانت ستنجح معك.

 

اجعل نفسك أولوية. إن كنت من النوع الذي يجيب على مكالمة هاتفية أو رسالة الكترونية على الفور وتشعر بالذنب إن لم تفعل، أو النوع الذي يذهب لمساعدة صديق حزين حتى وإن كان لديك أجل تسليم كبير في اليوم الموالي، فلديك مشكل في تقدير قيمتك الذاتية. الكوتشينغ او استشارة معالج نفسي قد تساعدك لتجاوز مشاعر الذنب حول وضع نفسك في المرتبة الأولى. ابدأ بكتابة لائحة ب”لماذا أنت جدير بحياة هادئة ومنظمة وتستحق أن تتجاوز التسويف.”

التزم مع الآخرين. التسويف يعمل بشكل جيد في إطار الخصوصية. إخبار الآخرين بأنه لدينا شيء علينا القيام به قد يكون مساعدا. وتعلم طلب المساعدة.

إذا لم تبدأ بشيء ما لأن التوتر حقيقي — فأنت حقيقة لا تملك الكفاءات لإتمام المهمة — إذن فالتفويض عوض التفكير هو ما عليك تعلّمه. هل يستحق الأمر فعلا ترك جدران قاعة الجلوس بالجص المكشوف لمدة ثلاثة أشهر لأنك “سوف تتعلم كيف تعلق ورق الجدران”، أو يمكنك فقط الاستعانة بمختص في الديكور؟

 

أبعد المشاعر. إذا انتظرت المزاج المناسب، أو أن تشعر بشكل جيد حيال المشروع، أو أن تكون متأكدا “أنك ستقوم بالعمل غدا” فلن تبدأ أبدا. غير نظام القناعات هذا بأن تخبر نفسك بأنه كلما شعرت بشعور سيء، كلما كان الوقت أنسب للبدء. في الحقيقة الأمر صحيح، لأننا نشعر بشكل أفضل عندما نبدأ في القيام بالأشياء. 

 

قم بالأشياء التي لا تجيدها. إذا كان تسويفك المزمن مرتبطا بشدة بالمثالية، فجرب القيام بشيء لا تكترث إن كنت جيدا فيه. اذهب لدرس في الرسم إن لم يسبق لك أن رسمت، قم بدرس في الرقص إن كنت سيئا جدا في الرقص (الوقوف في الخلف حيث لا يراك أحد مقبول جدا). قد تتفاجأ كم قد يكون محررا أن تسقط معاييرك وكيف أن طاقة “المحاولة” هذه يمكن أن تنتقل للأشياء التي كنت قاسيا على نفسك فيها.

 

فكر على نطاق صغير. قد يبدو بديهيا للبعض أن كل شيء هو مجموع أجزائه، لكن المسوفين غالبا ما يكونون “مفكرين كبار” أذكياء جدا يرون الأشياء بصورة عامة فقط. الأشياء الكبيرة مقلقة، لذا لا عجب أنك تسوف. فكر بالأحجار الصغيرة بدل ذلك. الجبال تنقسم إلى صخور كبيرة والتي تنقسم بدورها لأحجار صغيرة. فكّك كل عمل إلى مكوناته الصغيرة، بجعل نفسك تقوم بهذه العملية على الورق أولا حتى يتعلم دماغك القيام بها بشكل طبيعي. ثم ابدأ بأصغر خطوة واعمل على اتمامها.

حتى إن ظننت أنك قمت بتقسيم عملك إلى أصغر أجزائه، اسأل صديقا غير مسوف وانظر إن كان بإمكانه تقسيم العمل أكثر. على سبيل المثال، إذا كان عليك شراء سيارة وظننت أن الذهاب إلى الموزع هو أصغر خطوة، صديقك قد يوجهك بلطف إلى البحث عن الموزعين ومعرفة كيفية الوصول إليهم أولا،  وكذلك تحديد وقت للقيام بالزيارة.

 

تعلم التمييز بين العاجل والمهم. مرة ثانية، العديد من المسوفين ليست لديهم هذه المهارة وعليهم تدريب أنفسهم عليها. التقنية الأكثر شيوعا تسمى “المربعات الأربع” لستيفين كوفي، حيث تقسم المهام إلى غير عاجل وغير مهم، عاجل وغير مهم، غير عاجل ومهم، وعاجل ومهم. 

 

أوقف تشغيل كافة الأجهزة الإلكترونية. هذه الخطوة قد تكون صعبة، لكن الأشياء الصعبة تكون الأكثر نجاعة. إذا كان تسويفك المزمن مرتبطا باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط خصوصا، أوقف تشغيل هاتفك والانترنت لفترات تمتد ل 45 دقيقة متبوعة ب 15 دقيقة تشغيل يمكنه تحقيق المعجزات لقدرتك على التركيز وإتمام المهام.

 

تحكم في وقتك. بالحديث عن الفترات الزمنية المحددة. الأشخاص الذين يعانون من التسويف المزمن غالبا ما يكون لديهم إحساس غير واقعي بالوقت. الحل هو قضاء بضعة أيام باحتساب توقيت كل شيء. من إفطارك إلى مكالماتك الهاتفية إلى قراءة الجرائد إلى الوقت الذي تقضيه محاولا البدء بالعمل، خذ فكرة واضحة عن الوقت الذي تتطلبه الأشياء التي تقوم بها. دوّن كل شيء، وستتعجب باكتشاف أين يذهب الوقت وما الذي يمكنك إتمامه أو عدم إتمامه خلال فترة زمنية معينة. هذه التقنية وحدها قد تشكل نقلة نوعية للمسوف. طور الأمر بأن تضع برنامجا صارما لكل يوم واستعمل جهاز توقيت لتتأكد من أنك على المسار الصحيح.

 

خصص وقتا للراحة. تخصيص فترات خلال اليوم فقط لعمل اللاشيء -ساعة حيث “يفترض بك” أن تبحر في الانترنت، تدردش مع الأصدقاء، وتتمشى في البيت – يعني أن تاكتيكاتك المعتادة للتأجيل ليست تأجيلا بعد الآن بل خيارات واعية مقبولة. هذا يجعل دماغك أقل قدرة على التذمر حين تجلس للعمل ويجعل من السهل تجاوز التسويف.  

 

قم بعذّ خسائرك. أحيانا ما نحتاجه هو مراقبة جيدة للواقع. اكتب لائحة طويلة بكل الأشياء التي يكلفك إياها التسويف.

 

كن صادقا حول شغفك. لم تعد طالبا عليه حضور دروس لا تعجبك. إذا كنت تؤجل كل مهامك لأنك بالفعل تكره وظيفتك، تقبل أنك كشخص راشد لديه القدرة على تغيير وظيفته، وأي شيء آخر لا يعجبك سرا. إن كان احتمال اختيار حياة تعجبك مخيفا، فكر في اللجوء إلى مستشار أو كوتش أو معالج.

 

تعلم أن تحب نفسك. التسويف غالبا ما يكون نوعا من إيذاء الذات. ندمر حياتنا لأننا نظن أننا لا نستحق الأشياء الجيدة. ابدأ بكتابة لائحة حول ما يجعلك شخصا جيدا واستمر في إغنائها، مضيفا إليها كل شيء تقوم وتفتخر به. ليس على أحد غيرك رؤيتها. مرة أخرى، العلاج النفسي يمكنه المساعدة، من مجموعات الدعم إلى العمل مع خبير ممارس.

 

جرب العلاج السلوكي المعرفي. أثبت هذا النوع من العلاج فعاليته في المساعدة على تجاوز التسويف، لأنه يساعدك على إيقاف دائرة التفكير السلبية المؤدية إلى تأجيل القيام بالمهام.

 


 


المصدر: Harley Therapy

الصورة 1: Photo by Katarzyna Kos on Unsplash

الصورة 2: Photo by StockSnap from Pixabay

الصورة 3: Photo by JESHOOTS.COM on Unsplash

الصورة 4: Photo by Peter Hershey on Unsplash