سلسلة التعاطف الذاتي (2): فيزيولوجيا التعاطف الذاتي
في العشر سنوات الأخيرة كنت أقود بحثا عن التعاطف الذاتي، واكتشفت أن الأشخاص الذي يتعاطفون مع أنفسهم نادرا ما يتعرضون للاكتئاب، القلق، أو التوتر، ويكونون أكثر سعادة، مرونة، وتفاؤلا بمستقبلهم. باختصار، تكون لديهم صحة نفسية أفضل.
قوة التعاطف الذاتي ليست مجرد فكرة – إنها حقيقية وتظهر في أجسادنا. عندما نخفف من ألمنا فإننا نستفيد من نظام تقديم الرعاية للثدييات. ومن أهم طرق اشتغال هذا النظام هي تحرير الأوكسيتوسين في الجسم. تشير دراسة أن ارتفاع مستوى الأوكسيتوسين في الجسم يعزز شعور الثقة، الهدوء، الأمان، التسامح والترابط، ويزيد من إمكانية الشعور بالدفء والتعاطف نحو ذواتنا. يتم إفراز الأوكسيتوسين في العديد من المواقف الاجتماعية، بما فيها عملية إرضاع الأم لطفلها طبيعيا، تعامل الأبوين مع أطفالهم الصغار، أو عندما يعطي شخص ملاطفة ناعمة وحنونة أو يتلقاها. ولأن الأفكار والعواطف لديها نفس التأثير على أجسادنا سواء كانت موجهة لنا أو للآخرين، تشير هذه الدراسة إلى أن التعاطف الذاتي يمكن أن يكون محفزا قويا لإفراز الأوكسيتوسين.
يبدو أن النقد الذاتي لديه تأثيرات مختلفة للغاية على أجسادنا. اللوزة الدماغية (الأميغدالا) هي أقدم جزء من الدماغ، وهي مصممة لتستشعر بسرعة الأخطار من حولنا. عندما نمر بموقف خطر، تتم استثارة استجابة الكر-أو-الفر: اللوزة الدماغية ترسل إشارات ترفع ضغط الدم، مستويات الأدرينالين، وهرمون الكورتيزول، مجهزة بذلك القوة والطاقة الضروريتين لمواجهة الخطر أو تجنبه. رغم أن هذا النظام صمم عبر تطور الإنسان للتعامل مع الهجمات الجسدية، فإنه يستثار بنفس الطريقة للتعامل مع الهجمات العاطفية. سواء كانت من طرفنا أو من طرف الآخرين. دراسة حديثة تشير إلى أن توليد مشاعر التعاطف الذاتي تخفض مستويات الكورتيزول.
وفي دراسة قادتها Helen Rockliff وزملاؤها، طلب الباحثون من المشاركين تخيل تلقي التعاطف واستشعاره في أجسادهم. في كل مرة يطلب منهم أشياء مثل “اسمح لنفسك باستشعار تلقي تعاطف كبير؛ اسمح لنفسك باستشعار الحب والمودة الموجودة لأجلك.” تم اكتشاف أن المشاركين الذين تلقوا هذه التعليمات أظهروا مستويات منخفضة من الكورتيزول بعد التخيل مقارنة بالمشاركين في مجموعة المقارنة. المشاركين أظهروا أيضا زيادة تقلب معدل ضربات القلب بعد ذلك. كلما شعر الأشخاص بالأمان، كلما كانوا أكثر انفتاحا ومرونة في الاستجابة لمحيطهم، وهذا ما يبينه مدى تباين معدل ضربات القلب في استجابتها للمثيرات. إذن يمكن القول أنه بمنح أنفسهم التعاطف، قلوب المشاركين انفتحت وأصبحوا أقل دفاعية.
عندما نهدئ/نخفف من مشاعرنا المؤلمة بمرهم التعاطف الذاتي، ليس فقط أننا نغير تجربتنا الذهنية والشعورية، بل نغير أيضا كيمياء أجسادنا. جانب آخر فعال لتطبيق التعاطف الذاتي، إذن، هو الاستفادة من نظام الشفاء الذاتي لأجسادنا من خلال الأحاسيس الجسدية.
هذا يعني أنه من بين الطرق البسيطة لتهدئة نفسك ومواساتها عندما تشعر بسوء هي من خلال اللمسات الناعمة. يبدو الأمر سخيفا في البداية، لكن جسدك لا يعلم هذا. إنه فقط يستجيب للإيماءة الجسدية من الدفء والاهتمام، كما يستجيب الرضيع كلما حمل بين ذراعي أمه. تذكر، الاتصال البدني يفرز الأوكسيتوسين، يخفض الكورتيزول، ويهدئ توتر القلب والأوعية الدموية. إذن لم لا تجربه؟ إذا لاحظت أنك تشعر بانقباض، انزعاج، أو نقد ذاتي، جرب منح نفسك عناقا ذاتيا، أو تداعب بلطف ذراعك أو وجهك، أو تهدهد جسدك بلطف. الأهم هو أن تقوم بحركة واضحة تعبر عن شعور الحب، الاهتمام، والحنان. إذا كان هناك أشخاص حولك، يمكنك أن تثني ذراعيك بشكل غير واضح، تضغط على نفسك بلطف بطريقة مخففة ومريحة. لاحظ كيف يشعر جسدك بعد تلقي عناق أو لمسة لطيفة. هل أصبح أكثر دفئا، رقة وهدوءا؟ إنه لأمر رائع سهولة الاستفادة من نظام تقديم الرعاية للثدييات وتغيير تجربتك البيوكيميائية.
الكاتب: Dr. Kristin Neff
المصور: Pixabay