تقبل الوحدة
يبدو أن الشعور بالوحدة يحمل نوعا من العار، مع ذلك أغلب الناس يشعرون بالوحدة أحيانا.
يبدو أن هناك شعورا قويا بالعار حول الشعور بالوحدة. الكثير من الناس قد يتقبلون كونهم مكتئبين على أن يتحدثوا عن كونهم وحيدين. يخافون من الحكم عليهم بأنهم غير محبوبين، فاشلين، أو غريبي الأطوار لذلك فهم لا يناقشون إحساسهم بالعزلة، الغرابة، أو الإقصاء.
عدم الشعور بالحرية للتحدث عن الوحدة يفاقم من الوضع ومن الأحكام المرتبطة به. إذا أطلقت على نفسك أحكاما لشعورك بالوحدة، فذلك يجعل من الصعب القيام بخطوات لتغيير الوضع. ثم قد تحكم على نفسك لعدم القيام بأي شيء لمعالجة المشكل.
تلك التجربة المريعة لكونك آخر من يتم اختياره أثناء تكوين الفرق في المدرسة يبدو أنها تستمر إلى سن الرشد، رغم أن الأسباب تختلف. الفكرة العامة تبدو كالتالي إذا لم يكن لديك أصدقاء، إذا فأنت تعاني من مشكل ما. عناوين الصحف التي تصف المجرمين بكونهم أشخاصا وحيدين تضيف إلى الخوف من الحكم.
في الحقيقة، الشعور بالوحدة نادرا ما يتعلق بكثرة الأصدقاء. إنه ما تشعر به داخليا. بعض الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة قد يتواصلون نادرا مع الناس والبعض الآخر محاطون بالناس، لكنهم لا يشعرون بأنهم متصلون بهم.
بشكل عام، أولئك الذين يشعرون بالوحدة لا يقضون وقتا وحيدين أكثر من أولئك الذي يشعرون أكثر بأنهم متصلون بالآخرين.
الوحدة تجربة مختلفة عن العزلة. العزلة هي البقاء وحيدا باختيار والرغبة في تلك العزلة أو الشعور بالارتياح فيها. بينما الوحدة تعني أن هناك عدم راحة — أنت تريد أن تكون أكثر اتصالا بالآخرين.
تجربة الوحدة قد تختلف من شخص لآخر
العديد من الناس يشعرون بالوحدة رغم أن لديهم العديد من المعارف والأنشطة. أن يكون لديك مئات أو آلاف الأصدقاء على منصات التواصل الاجتماعي ليس هو أن يكون لديك شخص تشاركه مشاهدة فيلم أو أخذ فنجان قهوة. واحدة من أشد التجارب وحدة قد تحدث عندما تكون في زحمة من الناس لا تشعر معهم بأي تواصل أو عندما تكون مع صديق/شريك حياة ولا تشعر بأي تواصل.
وحيد قد تعني أنه ليس لديك شريك رومانسي أو ليس لديك شخص تقضي معه العطل. وقد تكون مرتبطة بتجارب الفقد التي مررت بها أو بفراغ روحاني.
الشعور بالوحدة يبدو مرتبطا بعدم الشعور بالاتصال بطريقة ذات معنى بالآخرين، بالعالم، بالحياة.
ثلاث عوامل للوحدة
حسب دراسة Cicioppo and Patrick (2008 ) درجة شعور الشخص بالوحدة مرتبطة بمزيج من ثلاث عوامل. العامل الأول هو مستوى سرعة التأثر بالانفصال الاجتماعي.
كل فرد لديه حاجة عامة من الانخراط الاجتماعي محددة وراثيا ومستوى حاجتك يختلف عن مستوى حاجة شخص آخر. إذا كانت حاجتك للاتصال عالية، قد يكون من الصعب الاستجابة لحاجياتك.
العامل الثاني للشعور بالوحدة هي القدرة على الضبط الذاتي للمشاعر المرتبطة بالشعور بالعزلة. لا يعني هذا فقط خارجيا بل عميقا بالداخل. كل شخص سيشعر بالاستياء عندما لا تتم تلبية حاجته من الرفقة. إذا استمرت الوحدة لوقت طويل قد تصبح مصدر انزعاج مزمن. جودة ضبطك لهذه المشاعر تؤثر على درجة الألم الذي تشعر به. إذا كنت مستاءً بشكل مزمن، هذا يجعلك أقل قدرة على تقييم نوايا الآخرين بشكل دقيق. قد ترى أنهم يرفضون في حين أنهم ليسوا كذلك.
القدرة على تقبل والتأقلم جيدا مع مشاعر الوحدة، ضبط المشاعر دون الحكم على نفسك أو الآخرين، وإيجاد طرق لحل المشكلات سيساعد على التخفيف من الضرر الذي قد تخلفه الوحدة.
العامل الثالث هو التصورات الذهنية والتوقعات من الآخرين إلى جانب التفكير المنطقي بهم. الشعور بالوحدة لا يعني أنه لديك مهارات اجتماعية ضعيفة، ولكن يبدو أن الشعور بالوحدة يجعل الناس أقل احتمالا أو قدرة على استعمال ما لديهم من مهارات. الأشخاص الذين يشعرون بالوحدة من المرجح أن يروا أنهم يقومون بكل ما يستطيعون لكسب الأصدقاء وليجدوا شعورا بالانتماء وأن يظنوا أن لا أحد يستجيب لمحاولاتهم.
ستكون تجربة محبطة وبعد مدة هذا الإحباط قد يؤثر على مزاجهم عندما يكونون مع الآخرين. قد يقومون بتصريحات سلبية والبدء في لوم الآخرين إن حاول أحد انتقادهم. قد يتم التعبير عن وحدتهم على شكل غضب أو امتعاض والذي غالبا ما ينتهي بابتعاد الآخرين.
أحيانا الأشخاص الوحيدون تكون لديهم صعوبة لأنهم يرون أنفسهم غير أكفاء أو لا يستحقون. الشعور بالعار حول من تكون سيقف عائقا أمام بناء علاقات مع الآخرين.
الأشخاص الذين عاشوا الوحدة لوقت طويل قد يكونون خائفين أيضا، لعدة أسباب. الخوف من التعرض للهجوم من قبل الآخرين يقود لميول نحو الانسحاب وعدم مشاركة شخصياتهم الحقيقية، مع ذلك في الوقت نفسه إذا لم يعرف أحد من هم حقيقة فسيبقون وحيدين. لغة أجسادهم قد تعكس ضعف ثقة في النفس والبؤس الذي يشعرون به وتعابير وجوههم قد تبدوا غير مرحبة للآخرين، رغم أنهم قد يكونون غير واعيين بلغة أجسادهم. في أشد حاجتهم للاتصال، تصرفاتهم قد تحمل رسالة لا واعية للآخرين مفادها ‘ابق بعيدا’.
عندما يصبح الشخص غير منظم شعوريا، يفقد إثر ذلك شعور الأمان. قد يرى المخاطر في كل مكان. يصبح من غير المرجح أن يكون قادرًا على الاعتراف بمنظور شخص آخر.
معظم الناس يشعرون بالوحدة أحيانا
العديد من الناس الذين يشعرون بالوحدة يظنون أنهم متفردون في وضعهم وأنه من غير الطبيعي الشعور بالوحدة كما يشعرون بها هم. لكن الجميع تقريبا يشعر بالوحدة أحيانا. ربما بعد الانتقال لمدينة أخرى أو بعد التخرج من الدراسة. الوحدة العابرة تعتبر جزءا من الحياة، لأن البشر مخلوقات اجتماعية.
بشكل عام، الناس يقيمون الحب، الحميمية، والروابط الاجتماعية على أنها تساهم في سعادتهم أكثر من الثراء والشهرة الاجتماعية.
فقط 22% لم يسبق لهم أن شعروا بالوحدة وواحد من عشرة يقولون أنهم يشعرون بالوحدة مرارا. الأغاني الناجحة التي تتحدث عن الوحدة وعدد عناوين الكتب التي تتحدث عن تجاوز الوحدة تعكس أن الوحدة ليست غير مألوفة. عندما تشعر بالوحدة، قد تركز فقط على الأشخاص الذين لديهم ما تريده عوض أولئك الذين هم في وضعية مشابهة لك.
أي شخص يمكنه أن يشعر بالوحدة. ويبدو أن الوحدة تجلب معها صعوبات أخرى. مقارنة بمجموعة يقولون أن لديهم روابط اجتماعية قوية، مجموعة من الطلبة من الذين كانوا ضمن 20% على قمة الوحدة أفادوا أن لديهم سمات أخرى كالخجل، القلق، العداء، التشاؤم، الخوف من التقييم السلبي وتأثير الاكتئاب من بين سمات أخرى. في دراسة مكملة، تم التسبب في الشعور بالوحدة. تم تنويم المشاركين مغناطيسيا ليظنوا أنهم متواصلون اجتماعيا أو وحيدون. المشاركون الذين تم تنويمهم ليظنوا أنهم وحيدون أظهروا نفس صفات الطلبة الذين تم تقييمهم على أنهم الأكثر وحدة.
الهدف من الوحدة
كما يحمي الألم الجسدي من الأخطار المادية، الوحدة قد تقوم مقام الألم الاجتماعي لحماية الناس من أخطار البقاء في عزلة. قد تقوم بدور الدافع لتغيير السلوك، لإعطاء المزيد من الاهتمام للعلاقات التي نحتاجها من أجل البقاء.
فكرة مقارنة الوحدة بالألم الاجتماعي تمت برهنتها عن طريق التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. باحة الدماغ العاطفية التي تنشط عندما تمر بتجربة رفض هي نفسها التي تسجل استجابات عاطفية خلال الألم الجسدي. الوحدة هي ألم عميق مدمر والتي قد تصبح مزمنة ولا يمكنك فقط لقاء الناس وتجاوزها.
تخلص من الحكم على نفسك
التخلص من إطلاق الأحكام على نفسك لكونك وحيدا هي خطوة أولى جيدة. لوم نفسك، إطلاق ألقاب على نفسك، توبيخ نفسك لأنك وحيد ليست طريقة فعالة ولا مناسبة. الشعور بالوحدة في غياب علاقات لها معنى هو شيء عادي.
قد تكون هناك عدة أسباب للوحدة. المجتمع المعاصر المشغول والمتحرك قد يزيد من تحديات بناء والحفاظ على العلاقات. قبول أن الوحدة جزء من التجربة البشرية قد يساعدك على استعمال طاقتك في إيجاد حلول.
الوحدة ليست بالضرورة نتيجة لمهارات اجتماعية ضعيفة. عندما تشعر بالوحدة، قد يكون من الصعب التفكير في المغامرة بالخروج إلى الناس رغم أنه قد يكون لديك مهارات اجتماعية جيدة. الوحدة قد تقود للاكتئاب ورغبة في العزلة.
الوحدة العميقة قد يعود سببها لعدة سنوات للوراء. بعض المصادر تقول أن جذور الوحدة العميقة قد تنبع من فقدان الحب في عمر الطفولة الأولى. في بعض الأحيان تأتي الوحدة العميقة مع اختلاف جسدي أو مرض عقلي اللذان يقودان إلى التمييز والعزلة.
بالنسبة للحالات الأخرى، قد تأتي الوحدة من صعوبة بناء صداقات في المدرسة، التعرض للتنمر أو الجلوس وحيدا في استراحة الغذاء. البقاء في ساحة اللعب دون وجود من تلعب معه قد يكون شعورا وحيدا جدا. أن تكون لديك اهتمامات مختلفة، كأن تحب الرياضة بينما الآخرون يهتمون بألعاب الفيديو، قد يكون الأمر وحيدا جدا. ربما وأنت طفل كان لديك صديق وحيد انتقل بعيدا أو تشاجرت معه ما دفعك لفقدان الصداقة. الوحدة خلال الطفولة تبدو مرتبطة بالوحدة خلال مرحلة الرشد، بما في ذلك الحساسية العالية للوحدة.
ليست هناك فكرة أو طريقة وحيدة للانتقال من الوحدة إلى الرضا، لكن هناك أفكارا عامة أثبتت جدواها. الخطوة الأولى قد تكون التقبل دون أحكام.
المصدر: psychologytoday
الصورة: pixabay