ما هي ‘ الأنماط الذهنية ‘ في علم النفس؟

 

في علم النفس، ‘ الأنماط الذهنية ‘ أو ‘المخططات’ أو ‘ القوالب الذهنية ‘ (Schemas) هي أنماط تفكير يخلقها الدماغ لتنظيم واستيعاب المعلومات التي يتلاقاها.  

 

كيف يمكن لمعلومة جديدة أن تأخذ مكانها  مع ما تعرفه من قبل؟ ما الذي تتوقعه بالتالي من تجربة ما/ شخص ما/ موقف ما؟

 

قد يبدو لك ‘النمط الذهني’ كنوع من ‘الاختصارات العصبية’. كما لو أن دماغك يضع قوالب بها فراغات تنتظر أن يتم ملؤها.

 

لكن رغم كون الأنماط الذهنية مفيدة في مساعدتك على الإبحار في عالم معقد، فلها سلبياتها أيضا.

 

لم نحتاج للأنماط الذهنية؟

 

في سن الطفولة، كنا نحتاج تعلم كيفية التكيف والتعامل مع طبيعتنا البشرية، كيف نعطي معنى لكل ما نراه من حولنا، وكيف نجد مكاننا في البيئة التي نحن فيها. الأنماط الذهنية هي إذن نوع من التكيف الذهني.

 

فكرة بسيطة عن النمط الذهني يمكن أن تكون تجربة تعلم طفل أن فاكهة حمراء، ذات شكل دائري هي تفاحة. تظهر  الطماطم بعد ذلك، فإذا بها تناسب نمط التفاحة. يتذوقها الطفل، ويكتشف أنها لا تشبه التفاحة مذاقا. إذن يخلص إلى أن هناك نوعا مميزا من التفاح يحتوي على الكثير من البذور. ثم يتم شرح الأمر للطفل على أنها طماطم، وبذلك يتكون نمط ذهني جديد.

 

جون بياجي Jean Piaget، عالم نفس اكلينيكي سويسري والذي كان أول من تحدث عن الأنماط الذهنية في علم النفس، أطلق على عملية تسمية الطفل للطماطم بالتفاح ”استيعاب/تمثل‘ — وهي  الاستجابة بطرق تشبه أنماطا ذهنية موجودة. تغيير نمط ذهني(تفاحة بمزيد من البذور) تسمى ‘تكيفا/مطابقة‘، وكذلك هو بناء نمط ذهني جديد (طماطم).

 

أشكال أخرى من الأنماط الذهنية يمكن أن تكون أكثر تعقيدا. على سبيل المثال يمكن أن يحب طفل أمه بشكل كبير، فإذا فارقت الأم الحياة والطفل مازال في سن مبكرة قد يتشكل لدى الطفل نمط ذهني أنه إذا كنت تحب أحدهم، فسوف يتم هجرك، إذا ليس بالفكرة الجيدة أن تحب.

 

عندما ‘تفشل’ الأنماط الذهنية ….

 

قد تكون لديك فكرة الآن من خلال المثال الثاني أعلاه كيف يمكن للنمط الذهني أن يصبح مقيدا لنا.

 

الأنماط الذهنية تمنحنا توقعات قوية. وعندما نصبح رشداء قد نصبح غير مرنين مع توقعات كهذه، ونلبس غمامات أمام الأشياء التي لا تناسب تشكيلة أنماطنا.

عندما نصطدم بأستاذ خلال حدث اجتماعي، مثلا، قد نشعر بعدم الارتياح لرؤيته يحمل جعة بين يديه ويضحك بصوت مرتفع بدل الجدية والمهنية التي عهدناها منه. قد نحكم عليه بشكل قاس، بوضعه فيما يسمى ‘دور اجتماعي’، عوض تقبل حقيقة أن لديه  حياة مليئة ومعقدة مثلنا تماما.

الأحكام المسبقة والصور النمطية هي أشكال من الأنماط الذهنية التي أصبحت جامدة. إذا ظننا أن الأجانب ‘خطيرون’، قد نبذل قصار جهدنا للعثور على طرق بسيطة لعدم تقبل جيراننا الطيبين الذي جاؤوا من ثقافة مختلفة. فيقول أحدنا مثلا “انظر! لم يضع كيس الزبالة بشكل جيد!” لقد أصبح فجأة يشكل خطرا على سلامة حيك.

كما يبين هذا، الأنماط الذهنية تحدد أيضا إلى أين يتجه تركيزنا.

هذا يخلق ما يسمى ‘التشوهات الإدراكية’ — وهي نماذج للتفكير منفصلة عن الواقع.

 

النمط الذهني الذاتي — أنت عن نفسك

 

كلنا لديه أنماط ذهنية ذاتية – وهي الطرق العميقة للتفكير حول أنفسنا.

بعض الأشخاص يبالغون في التركيز على الأشياء الإيجابية فيهم، بل وينسون الأشياء السيئة عنهم، أو يغيرون الحقائق. قد يقولون أنهم أبلوا حسنا في المدرسة أكثر مما قد فعلوا فعلا، أنه كان لديهم شركاء عاطفيون جذابون أكثر من الواقع، أو أنهم كانوا  لائقين بدنيا أكثر مما كانوا عليه بالفعل.

بالطبع العديد منا لديه النوع المعاكس من النمط الذهني الذاتي. أنماط تفكيرنا هي في الغالب أكثر نقدا ذاتيا وأكثر سلبية، وقد ننسى أو نتستر على إنجازاتنا. الاكتئاب وضعف التقدير الذاتي قد تكون غالبا هي  النتيجة.

 

يمكننا أيضا استعمال الأنماط الذهنية كوسيلة لمنع أنفسنا من معرفة الذات ومن التطور كأشخاص. قد نطور قواعد قاسية لنتحكم في أنفسنا عبرها.

إذا كان لديك نمط ذهني أنك خجول، مثلا، ثم بدأت وظيفة جديدة ووجدت نفسك تنفتح على الآخرين وتشعر بالارتياح؟ الشيء الذي لا يتوافق مع ‘سيناريو’ الشخص الخجول الذي صنعته لنفسك. قد تعدل من سلوكك حينها بدل التعديل من شخصيتك. سترفض إذن الخروج كلما دعيت من زملائك عوض المخاطرة وإنهاء خجلك.

 

وجد علماء النفس أيضا أننا نميل للبقاء مع الأشخاص الذين يدعمون أنماطنا الذهنية الذاتية. لذا إذا كانت لديك أنماط ذهنية سلبية، قد تختار لاواعيا البقاء مع أشخاص يرونك بشكل سلبي، أو ينتقدونك. الشيء الذي يقوي أنماطك بالتأكيد.

 

العلاج بالمخطط أو العلاج التخطيطي – ما هو؟ (العلاج بالأنماط الذهنية)

 

العلاج بالمخطط هو مقاربة جديدة نوعا ما من العلاج التي تجمع بين عناصر من العلاج السلوكي المعرفي، والدينامية النفسية وكامل أنواع العلاج المرتبط بنظرية التعلق.

أنواع العلاج هذه تستعمل مصطلح “المخطط” للإحالة على أنماط (أو ‘أشكال’) التفكير التي نطورها ونحن أطفال والتي تجعل من طرق تواصلنا وتصرفنا غير سوية ونحن رشداء. هذا يتضمن أشياء مثل ‘مخطط الهجر‘، و’مخطط التضحية بالنفس’. وراء كل مخطط نجد حاجة لم يتم الاستجابة لها. فمخطط الهجر، مثلا، يخفي الحاجة غير الملباة من الشعور بالأمان والاهتمام.   

العلاج بالمخطط صمم بالأساس من أجل الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية، أو الذين وجدوا أن أشكالا أخرى من العلاج لم تنجح معهم.

لكن العلاج بالمخطط أصبح الآن يساعد أي شخص يعاني من الاكتئاب و صعوبات في العلاقات، ويرغب في الرفع من الوعي بالذات.

 



المصدر: Harley Therapy

الصورة: Freevector