سلسلة التعاطف الذاتي (1): ما هو؟

التعاطف مع الذات (أو التعاطف الذاتي) لا يختلف كثيرا عن التعاطف مع الآخرين. فكر كيف يبدو شعور التعاطف. أولا، لكي تتعاطف مع الآخرين لا بد أن تلاحظ أنهم يعانون. إذا تجاهلت ذاك الشخص المتشرد في الشارع، لا يمكن أن تستشعر التعاطف مع وضعه الصعب. ثانيا، التعاطف يقتضي الشعور بمعاناة الآخرين حتى تستجيب لألمهم (كلمة “تعاطف” باللغة اللاتينية تعني حرفيا “عانى مع”). عندما يحصل هذا، تشعر بالتعاطف، الاهتمام والرغبة في مساعدة الشخص المعني بطريقة ما. التعاطف يعني أيضا أن تمنح التفاهم واللطف للآخرين عندما يفشلون أو يخطئون، بدل الحكم عليهم بقسوة. أخيرا، عندما تتعاطف مع شخص آخر (عوض الشفقة المجردة)، هذا يعني أنك تدرك أن المعاناة، الفشل، والنقص هي جزء من تجربة إنسانية مشتركة.  “لو كان حظي مختلفا لكنت في ذاك الموقف”.

 

التعاطف الذاتي يتضمن أن تتصرف بنفس الطريقة اتجاه نفسك عندما تمر بوقت صعب، تفشل، أو تلاحظ شيئا لا يعجبك في نفسك. بدل تجاهل ألمك، تتوقف وتقول لنفسك “الأمر صعب للغاية الآن،” كيف يمكنني مواساة نفسي والاهتمام بي في هذا الوقت؟

 

عوض أن تنتقد نفسك وتحكم عليها بلا رحمة بسبب نواقص وعيوب مختلفة، التعاطف الذاتي يعني أنك لطيف ومتفهم في مواجهتك لإخفاقاتك — في النهاية، من قال أنه عليك أن تكون مثاليا؟

 

يمكنك محاولة تغيير نفسك بطرق تسمح لك بأن تكون أكثر صحة وسعادة، لكنك تقوم بهذا التغيير لأنك تهتم بنفسك، وليس لأنك غير مقبول أو غير جدير بالاستحقاق كما أنت. ربما، النقطة الأهم، أن التعاطف مع الذات يعني أنك تحترم إنسانيتك وتتقبلها. قد لا تسير الأمور دائما بالشكل الذي تريده. سوف تواجه الإحباط، ستلحقك بعض الخسائر، سوف تخطئ، سوف تصطدم بقيودك وسوف تخفق في تحقيق أهدافك. هذه هي الطبيعة البشرية، حقيقة نشترك فيها جميعا. كلما انفتحت على هذه الحقيقة أكثر بدل الاستمرار في مقاومتها، كلما صرت قادرا على التعاطف أكثر مع ذاتك ومع كافة البشر في تجربة الحياة.   

 

العناصر الثلاثة للتعاطف الذاتي:

 

1- اللطف مع الذات مقابل الحكم على الذات:

 

التعاطف مع الذات يتضمن أن نكون لطفاء ومتفهمين اتجاه ذواتنا عندما نعاني، نفشل أو نشعر بالنقص، بدل تجاهل ألمنا أو جلد أنفسنا بالنقد الذاتي. الأشخاص المتعاطفون مع ذواتهم يدركون أن النقص، الفشل، والمرور بصعوبات الحياة هو أمر حتمي. لذلك يكونون لطفاء مع أنفسهم عند مواجهة تجارب مؤلمة بدل الشعور بالغضب عندما لا ترقى الحياة لما كان مخططا له.  لا يمكن للناس أن يصبحوا أو يحصلوا دائما على ما يريدون بالطريقة التي يريدون. عندما ننكر هذه الحقيقة أو نقاومها تزيد المعاناة في شكل توتر، إحباط ونقد للذات. عندما نتقبل هذه الحقيقة بتعاطف ولطف، نحصل على اتزان عاطفي أفضل.

 

2- الإنسانية المشتركة مقابل الانعزال:

 

الإحباط الناتج عن عدم الحصول على الأشياء التي نريدها بالطريقة التي نريدها يكون مصحوبا غالبا بشعور عام وغير منطقي بالانعزال – كما لو أننا نقول “أنا” الشخص الوحيد الذي يعاني أو يقترف الأخطاء. كل البشر يعانون، على أي حال. التعريف الأمثل لكونك إنسانا هي أن تكون غير خالد، ضعيفا وناقصا. إذا، التعاطف الذاتي يتضمن الإدراك أن المعاناة والنقص الشخصي هو جزء من التجربة الإنسانية المشتركة – شيء نمر به جميعنا بدل شيء يحدث لي “أنا” فقط.

 

3- الوعي مقابل التماهي:

 

التعاطف مع الذات يستوجب أيضا تبني منهج متوازن اتجاه مشاعرنا السلبية، بحيث لا نكبتها ولا نبالغ فيها. هذا الموقف المتوازن ينبع من مبدأ ربط تجاربنا الشخصية بتجارب الأشخاص الآخرين الذين يعانون أيضا، وبالتالي التخفيف من وقع تجاربنا الخاصة.

إنه ينبع أيضا من إرادة مراقبة مشاعرنا وأفكارنا السلبية بانفتاح ووضوح، حتى تبقى في إدراكنا الواعي. الوعي هو حالة ذهنية من التقبل واللاحكم، يراقب فيها الشخص الأفكار والمشاعر كما هي، دون محاولة كبتها أو إنكارها. لا يمكننا تجاهل ألمنا والتعاطف معه في نفس الوقت. في ذات الوقت، الوعي يتطلب ألا “نتماهى” مع الأفكار والمشاعر، بحيث نعلق وننجرف مع ردود فعل سلبية.    

 



الكاتب: Dr. Kristin Neff

المصور : Leana