سيكولوجيا الأزمات العاطفية

*تحيل عبارة ‘أزمة عاطفية’ المذكورة في المقال إلى الحالة العاطفية التي يخلفها الانفصال عن شخص ربطتنا به علاقة عاطفية.*

 



الأزمة العاطفية قد تجعلك تشعر وكأنك تعرضت لحادث سير رهيب. تجعلك تمر بتقلبات نفسية وتتركك محطما تماما مهما حاولت إخبار نفسك “بتجاوز الأمر فقط”.

 

لكن لم يصعب الخروج من الأزمات العاطفية؟ هل تسبب فعلا إنهاكا وأعراضا بدنية، أم أنك تتخيل الأمر فحسب؟ ولم قد يخلف إنهاء علاقة عاطفية شعورا سيئا حتى لو لم تكن مستمتعا بالعلاقة من الأصل؟

 

بالنظر إلى سيكولوجية الأزمات العاطفية يمكنك العثور على أجوبة لكل هذه الأسئلة، بل أفضل من ذلك، يمكنك اكتشاف تكتيكات عملية لتتصرف بشكل أفضل عندما ينكسر فؤادك.

 

فيما يلي الأشياء التي تحتاج معرفتها عن علاقة دماغك بالأزمات العاطفية  

 

1- بالنسبة لدماغك، الخروج من أزمة عاطفية هو بمثابة الإقلاع عن إدمان المخدرات.

 

كلنا يريد التفكير في الحب على أنه عاطفة. لكن عندما نظر الباحثون إلى دماغ في حالة حب اكتشفوا أنه في حين أن الحب يثير العواطف، فهو أكثر من مجرد “حالة دافعية”. الباحثون استعملوا التصوير بالرنين المغناطيسي لدراسة دماغ 15 رجلا وامرأة زعموا أنهم واقعون في الحب و وجدوا نشاطا في الأجزاء من الدماغ المرتبطة بالمكاسب، الخسائر، الرغبات وتنظيم المشاعر.

 

بمعنى آخر، الدماغ يخلق الحب ليحصل على ما يريد. ما يريده هو “موضوع العاطفة”، فهو إذا يصنع الحب ليدفعك إلى تحقيق رغباته.

 

نفس الباحثون اكتشفوا أنه لا يهم إذا لم يعد الشخص سعيدا في حبه، يمر بمرحلة انفصال عن حبيبه ويشعر بشعور فظيع. دماغه مازال في ‘حالة الدافع’ والموصلات العصبية ما زالت تنتظر مكافأة.  

 

والشيء المثير للاهتمام فعلا هو أن هذا الجزء من الدماغ، الذي يعمل حول المكاسب، الخسائر، والرغبات، هو نفس الجزء من الدماغ الذي ينشط عندما يكون الشخص مدمن كوكايين. إذا في الحالتين عندما نكون في حالة حب وعندما نكون حديثي الانفصال، فنحن تماما مثل مدمن مخدرات.

 

تذكر : عندما تكون في خضم أزمة عاطفية فأنت تفكر كما يفكر مدمن مخدرات في طريق العلاج. إذا بينما يكون مهما بالعادة أن تثق بقدرتك على اختيار الأفضل لك، الأزمة العاطفية هي من الأوقات التي قد تريد فيها أن تثق بعائلتك وأصدقائك المقربين. إذا قالوا لك أنها فكرة سيئة أن تتصل بشريكك السابق، فعلى الأرجح هي كذلك.

 

اعثر على بعض الدعم أيضا. فكحالة الإقلاع عن المخدرات، الانفصال عن علاقة عاطفية صعب، وكل منا يحتاج فريق دعم يذكرنا ‘أنه يمكنك القيام بذلك’ .

 

2- الأزمة العاطفية تجعل دماغك متطرفا.

 

علماء النفس التطوريون مولعون بالإشارة إلى أن أدمغتنا مطورون بطيئون حيث مازالوا كرجل الكهف في برمجتهم. لذا فعندما نمر بحالة توتر كحالة الأزمة العاطفية، أدمغتنا ترسل إشارة “كر أو فر”، كما لو أننا قد نقتل إذا لم نستجب.  

 

أحد ميكانيزمات استجابة الكر أو الفر هي ما يعرف ب’التفكير الأبيض والأسود’ ويسمى أيضا ‘تفكير الكل أو اللاشيء’ أو ‘الانشطار’). التفكير الأبيض والأسود هو عندما نرى الأشياء في الحدود القصوى فقط. بالعودة إلى العصور البدائية، كان هذا الأمر يساعد دماغنا في الأوقات التي كان فيها الشك يرفع من فرص قتلنا وكنا نحتاج للهروب، عوض التمعن في الاختيارات.  

 

في يومنا هذا  التفكير الأبيض والأسود هو مصدر دراما أكثر منه مصدر خلاص. على سبيل المثال، إذا علمنا أننا نحتاج ترك وظيفتنا وأن الأمر يوترنا، قد نفكر، ‘إذا تركت هذه الوظيفة فقد لا أعثر على شيء آخر، وإذا بقيت فسأكون تعيسا للأبد’. عندما يتعلق الأمر بأزمة عاطفية، الاختيارات التي نرى قد تبدو ‘لن أعثر على الحب مجددا’ و ‘سوف أواعد كل شخص يطلب ذلك من الآن فصاعدا حيث لم أعد أهتم’، أو ‘لقد كانت أفضل شخص واعدته’ إلى ‘إنها أسوأ شخص يمشي فوق الأرض وقد دمرت حياتي’.  

 

المشكلة مع هذا النوع من التفكير المتطرف أنه لا يفوت علينا فقط العديد من الاختيارات الواقعية المتاحة لنا، بل نرفع من فرص إصابتنا بالاكتئاب. تفكير الأبيض و الأسود يدخلنا في دوامة من التقلبات بين ارتفاع وانخفاض لأن الأمر يصبح أكثر تأثيرا عاطفيا عندما نفكر بهذه الطريقة.    

 

تذكر : إذا أمكنك البدء في رصد أفكارك المتطرفة، يمكنك حينها البدء أيضا في الكشف عن تغيرات مزاجك. انتبه للكلمات المبالغ فيها، مثل “دائما”، “أبدا”، “الأفضل”، “الأسوأ”.  عندما تجد نفسك مستعملا عبارات كهذه، تأمل لحظة في أفكارك. اسأل نفسك، هل هذا واقعي؟ ما هو الدليل الذي لدي لدعم هذا التصريح؟ وكيف يمكن أن تبدو الفكرة الأكثر اتزانا؟


قد ترغب أيضا في تجربة بعض تقنيات العلاج السلوكي المعرفي والذي يختص في مساعدتك على ملاحظة أفكارك المتطرفة (والذي يطلق عليه مختصو العلاج السلوكي المعرفي التشوهات المعرفية) بهدف الوصول إلى تفكير أكثر نفعا وتوازنا.

 

3- أنت أقل قدرة مما تعتقد على قول حقيقة ما حدث

 

جميعنا نحب أن نعتقد أننا نتذكر الأشياء كما حدثت بالضبط. لكن دراسة أجريت في جامعة كاليفورنيا أثبتت أنه حتى أصحاب الذاكرة التصويرية لا يتذكرون الأشياء على نحو كامل. يبدو أن دماغنا يمكن تضليله بسهولة ليظن أننا نذكر شيئا لم نفعله بالفعل وأن يحرف الحقيقة.

 

لذا فجعل الدماغ يعتمد على وسائله الخاصة أمر سيء بما يكفي ليرغب في سرد قصص غير صحيحة. فماذا عن حالة وجودنا تحت الكثير من الضغط، كحالة انهيار علاقة عاطفية؟

 

هرمونات التوتر ستعزز بناءك للذكريات السلبية. دراسة حديثة في جامعة ولاية أريزونا الأمريكية بينت أن هرموني “النورابينفرين” (norepinephrine ) و”الكورتيزول” (cortisol)، التي يفرزها الدماغ في حالة التوتر، تجعلنا نركز على الذكريات السلبية ونبنيها في حين أننا نهمش الجانب الإيجابي لتجاربنا. ( الدراسة أجريت، في الحقيقة، على النساء فقط، اللواتي يظهر من خلال الدراسات أنهن أكثرعرضة للصدمات خلال التجارب المؤلمة).   

 

تذكر : جزء لا مفر منه في الأزمات العاطفية هو “إعادة سرد” ما جرى في العلاقة لأي شخص قد ينصت لنا. الأمر لا يقتصر فقط على إعادة عيش ألم الأزمة، بل قد تصبح “قصة” ندمن على روايتها، والتي من غير المرجح علميا أن تكون حقيقية. لذا فعندما تجد نفسك تعيد تفاصيل العلاقة مرارا بطريقة سلبية، حاول تذكر شيء واحد إيجابي عن كل شيء سلبي تقوله.

 

فكر في التحدث إلى مستشار أو معالج نفسي والذي يمكنه مساعدتك في رواية قصتك بطريقة تساعدك على التشافي والمرور قدما. أحيانا الأصدقاء، رغم نواياهم الحسنة، يتعاطفون مع سلبيتنا و’غضبنا للحق’ ويشجعونها ويدخلونك في دوامة من الاستياء قبل أن تدرك ذلك.  

 

4- ‘تأثير كرة الثلج’ النفسي قد يقضي عليك.

 

هل سبق لك وكنت مع شخص لم تكن متأكدا من وقوعك في حبه، ثم انفصلت عنه، لتجد نفسك فجأة محطما ومكسور القلب؟

 

في الغالب قد تظل متسائلا، لم كنتَ مستاء للغاية، وغير قادر على السيطرة على حزنك في نفس الوقت.

 

إذا كان الأمر كذلك، فقد كنت ضحية ‘لكرة الثلج النفسية’.

 

الصدمة النفسية في الحاضر غالبا ما تثير صدمات نفسية مكبوتة من الماضي. حتى لو لم تكن مدركا أن هذه الصدمات النفسية الماضية تتم استثارتها، ستشعر بها، من خلال مشاعر عارمة من الحزن واليأس. كرة الثلج الصغيرة للأزمة العاطفية تصبح جلمودا من الثلج قبل أن تدرك ذلك.

 

تذكر : راقب مشاعرك. هل تناسب ‘الجريمة’؟ أم أنك شديد الاكتئاب بسبب انفصالك عن شخص تعرفت عليه منذ شهر فقط؟ إذا كانت استجابتك العاطفية تبدو غير مناسبة، فمن المرجح أنه قد تمت استثارة ماضيك.

 

جرب كتابة اليوميات، وهي وسيلة رائعة لخلق فضاء مريح للدماغ ليكشف عن أعماقه المخفية.

 

أحيانا، إن تمت إثارتك بشدة، فقد حان الوقت للتحدث إلى مختص. إنه أمر مبهر كيف يمكن للجلوس في غرفة مع شخص غريب متعاطف  أن يجعلنا فجأة نكشف عن تجارب نسينا أنها حدثت، وكأن عملية الالتزام بالبحث عن المساعدة وإيجاد فضاء آمن يعمل كمغناطيس يجذب ما يزعجنا بالفعل. بالإضافة إلى ذلك، المبالغة في رد فعل اتجاه الصدمات العاطفية قد يكون علامة على اضطراب الشخصية الحدي، والذي سيتعرف عليه المختص ويساعدك في التعامل معه.

 

5- الأزمة العاطفية قد تسبب صدمة نفسية، وهي حالة خطيرة

 

الأزمة العاطفية، كأي تجربة مؤلمة، قد تدخلك في صدمة نفسية، وتدعى أيضا ‘صدمة عاطفية’ أو ‘اضطراب نفسي حاد’.

 

والصدمة العاطفية لا تسبب فقط القلق، الخوف وشعورا بعدم الواقعية. إنها تأتي أيضا مع العديد من الأعراض الجسدية المحتملة، على سبيل المثال لا الحصر الشعور بالنوم، تسارع دقات القلب، الصداع النصفي، الغثيان، شد عضلي، وآلاما وأوجاعا بدنية غريبة. فالحب يسبب الألم بالفعل، عندما يجب علينا التخلي عنه للمضي قدما.  

 

تذكر : اقرأ عن الصدمة العاطفية للتعرف على الأعراض. وامنح نفسك فترة نقاهة؛ فأنت فعلا متعب ولست بخير، فليس الأمر فقط متخيلا. مرة أخرى، لا تتوقع أشياء كبيرة من نفسك ولا تتخذ قرارات مهمة، بل ركز على العناية الجيدة بنفسك. وتخل عن تحديد أجل ‘لتخطي الأمر’. الصدمة تأتي على شكل دورات، تماما كوفاة شخص عزيز، ومن الأفضل تقبل أن الأمر سيحتاج وقتا للشعور بحال أفضل.

 



المصدر: Harley Therapy

الصورة: Lailajuliana on Pixabay